نظرةٌ متأمِّلةٌ في خرّيجي دار الحديث والمعهد .. ماذا أنجزوا ؟
يا لها من لحظة! حين يقدم هذا البرماويّ على هذه الدنيا، مولوداً جديداً، ليملأ بيته وجَـنانَ أبويه وسائرَ أهله فرحاً واستبشاراً..
والداه يشبعانه عطفاً وحناناً، ويحرسانه بعين رعايتهما، فينشأ بين رحمة وحنان، يعكّرهما شيءٌ من تربية قاسية، وصرامةٌ في المراقبة، وإثقالٌ لكاهليه بنصائح مملّة في نظره.
ثم يكبر وتكبر معه أمنيتهما بأن يرياه يوماً ما وقد تقلَّد مناصب العلماء، وبلغ شأو الفضلاء، وحاز القدح المعلّى في مختلِف ميادين المعرفة.
يترعرع الابن، ويستوي عودُه، ويدخل مدرسة الحياة، المليئة ببؤسها وترحها، وبهائها وفرحها. يدخل الكتاتيب، فالروضة، ثمّ الابتدائية، و... وينتهي به المطاف إلى معهد من المعاهد العلمية (الشرعية) الآتية: دار الحديث الخيرية، معهد الحرم المكي الشريف، أو... غيرها ممّا لا أعلمُ، سواءٌ كان التحاقه بأحدها بدءاً بالمرحلة المتوسطة أو الثانوية أو حتى العالية.
فيبدأ مشواره العلمي في هذا المعقل بجدّ لا نظير له، وكدٍّ ومثابرة، ودأب وحرص، ويمضي قدماً، ماضياً في جادّة الطلب بهمّةٍ لا تفتر، وعزيمةٍ لا تتقهقر، ويقفز من صفٍّ إلى آخر، إلى أن يمنّ الله عليه بالتخرّج بتوفيقٍ منه وإعانة.
ها هو الآن تخرّج، وتقلّد وشاح الاجتياز بامتيازٍ أو دونِه، وأصبح علَما بارزاً بين أسرته وأهل حيّه ومجتمعه، إليه يفزعون لحلّ إشكالاتهم، وبه يستأنسون في فضّ خلافاتهم.
لكن انتظر!
قال قائل: ما مخرجات دراسته، وكيف أثرُها فيه وفي بناء شخصيّته؟
نظرنا إلى مخرَجات دراسته طيلة هذه السنين؛ فهالَنا أحدُ هذه المخرَجات المعيبة:
1. ثقافة عامّة (كوكتيل)، وتناتيف من كلّ علم، لا تسمن ولا تغني من جوع.
2. عدمُ تأصيلٍ أو رسوخ في أيّ فنّ من الفنون. فعلى سبيل المثال لا الحصر:
أ/ العقيدة: لا يعرف سوى المعتزلة والخوارج، وشيئاً مما قالوه فحسب، أما مسائل هذا العلم المعروفة، والأدلة، والشبهات المثارة المشهورة، والإجابة عنها، ومناقشتها فلا يتذكر شيئاً.
ب/ الحديث ومصطلحه: نسيَ الأحاديث التي كُلف بحفظها بمجرد أن خرج من الامتحانات! ويخلط بين ضوابط أهل الاصطلاح خلطاً شديداً.
ج/ الفقه وأصوله: لا يستطيع تَعداد أركان الصلاة بنفَس واحد، ولا يمكنه تصور بعض بديهيّات المسائل، ولا يميّز بين العِينة والتورّق، ولا يدرك الفرق بين الواجب والفرض، وإن كان قد فهم ذلك ـ قبلُ ـ فقد نسي!!
د/ النحو وعلوم اللغة: حدّث ولا حرج، لا يفرق بين فاعلٍ ومفعوله، وكأنّ الله سخّره ليلعب بقواعد العرب (وبالأخص الضمائر تذكيراً وتأنيثاً) كما لو بيده كرةٌ!
3. هشاشة بنائه اللغوي:
-غير متمكن من لغته الأصلية، أو اللغةِ العربية التي دَرج على دراسة مقرراته بها، بمعنى أنه لا يتقن اللغة الأراكانية (الروهنجية) الأصيلة ولا الدارجة هنا، ولا يجيد العربية فصيحَها أو عاميَّها (لغة الحجاز مثلاً). ويرتكب أخطاء فاحشة أثناء حديثه تُضحك الثكلى وتُنسي المتيّمَ همومَه.
-لا يجيد مهارة الكتابة، ولا يمتلك أدواتها باقتدار.
- يتحاشى عن تعلم اللغات الأجنبية سواءٌ العالمية منها كالانجليزية، أو التي لها أهمية إقليمية كالأردو، مدعياً صعوبتها البالغة، مع أن الواقع يثبت أنها تمدّه بكثير من مرونة التعامل الحياتيّ، وسهولة التأقلم مع مختلِف الأجناس والأعراق في مسيرته المهنيّة (هذا غير وارد بلا شك، لكن أوردته من باب الفائدة).
5. ضعف بنائه المعرفي:
-لا يريد شَغْل عقله بالتفكير، ولا يسعى لتطوير مواهبه الفكرية، أو الإبداعية.
-لا ينمّي مهارات سرعة البديهة، كتقوية الحفظ، واللَّحْظ الذكيّ، والنقد الهادف البنّاء المرتكز على القواعد المنطقية.
6. عدم تزكية نفسه إيمانيّاً:
يسمع قوارع الوعظ من مشايخه وأساتذته، وقد ينفق الكثير من وقته في حضور المواعظ والمحاضرات الخارجية لمجرّد تسجيل الحضور أو التفرّج لا أكثر؛ فلا تجدها تؤثّر فيه، فلا قيام ليل، أو صوم نهار، أو محاسبة نفس، أو بكاء من خشية الله في جوف الليل. أو على الأقل عشر دقائق يتفرغ لربّه فيها يتأمل ويفكر، ويتذكر الموت والقبر، والقيامة والحشر!!
وأما الأخلاق الحسنة والشيم النبيلة وعزة النفس، فـ(عدّ واغلط)، واحزن، واندب على التقصير كما تشاء!
ملاحظات:
- لعلّ من لا علاقة له بدار الحديث أو المعهد لا يدرك أبعاد هذا الموضوع، إما لقلّة علمه بما يدور في مجالس طلبة العلم أو لشيء آخر لا أعلمه، فلا يتشنّج مَنْ هذا حالُه.
- لا أبرّئ نفسي، فأنا لي نصيب وافر من كل نقطة أوردتها!، أسأل الله العفو والإعانة.
- لا أقصد أحداً بموضوعي هذا، وإنما المراد أن نتكاتف ونتعاضد لتلافي هذه النتائج المخجلة، ولتنبيه مَنْ لا زال في دراسته ولم يكن يعلم بهذه الأمور الدقيقة التي قد تخفى حتّى على الأجلّة.
- لا أنكر وجود إخوة ـ من الجالية ـ بلغوا الثريّا بهممهم، فلم يرضوا بمنزلة دونها وإن اندلقت مِـعَاهم!، فاستفادوا علماً، وفهماً، وبصيرةً وقّادة، وخشيةً وتقوىً من الله، وإن كانوا ـ للأسف ـ أندر من الكبريت الأحمر!
المطلوب:
ذكرُ الأسباب ـ مع علاج ناجع لما سبق، كلٌّ بحسب استطاعته ومقدرته، بما آتاه الله من علمٍ ونفاذ بصيرة، ثم آتي ـ أنا ـ في النهاية لأستخلص ما ذُكر.
وفّقكم الله.
التعديل الأخير:
اسم الموضوع : نظرة متأمّلة في خرّيجي دار الحديث والمعهد.. ما مخرجات دراستهم ؟ وماذا أنجزوا ؟!
|
المصدر : .: روائع المنتدى :.

